/ الْفَائِدَةُ : (46) /
23/03/2025
بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / وصف الأُنوثة والرُّجُوْلَة في أَصل اللُّغة وبيانات الوحي / إِنَّ المراد من عنوان (الأُنوثة) في أَصل اللُّغَة وجملة من بيانات الوحي المعرفيَّة ـ منها: بيان قوله تعالىٰ: [إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا](1) وصف، ومعناه: النَّقص. والمراد من عنوان (الرُّجُوْلَة) أَيضاً في أَصل اللُّغَة وجملة من بيانات الوحي، منها: بيان الحديث القدسي الوارد في تبليغ سورة براءة: «... وقد دفعها النَّبيّ صلى الله عليه واله إِلَى أَبي بكر لينبذ بها عهد المشركين، فلَمَّا سار غير بعيدٍ نزل جبرئيل عليه السلام علىٰ النَّبِيّ صلى الله عليه واله فقال: إِنَّ الله يقرئكَ السَّلام، ويقول لك: لا يُؤَدِّي عنكَ إِلَّا أَنْتَ أَو رجل منكَ، فاستدعىٰ رسول الله صلى الله عليه واله عَلِيّاً عليه السلام ، وقال له: اركب ناقتي العضباء، وألحق أَبا بكر، فخذ براءة من يده، وأَمْضِ بها إِلى مكَّة وانبذ بها عهد المشركين إِليهم ...»(2)ـ(3): الصَّلابة وكمال الِاسْتِقَامة، ومن ثَمَّ ينطبق ـ هذا العنوان ـ علىٰ كُمَّل النِّساء؛ صَلْبَات الإِيمان، كاملات الِاسْتِقَامة والاِصِطِفَاء والعصمة كفاطمة الزهراء (صلوات اللّٰـه عليها)، فلذا ورد في تفسير بيان قوله جلَّ قدسه: [رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ](4) شموله لها (صلوات اللّٰـه عليها)(5)؛ فإِنَّه وارد في مقام المدح علىٰ صَلَابَةِ الإِيمان، وكمال الِاسْتِقَامة. وهذا ما يُوضِّح كثير من بيانات الوحي، منها: 1ـ بيان الإِمام الباقر عليه السلام ، عن بريد بن معاوية العجلي، قال: «سألتُ أَبا جعفر عليه السلام عن قول الله عَزَّ وَجَلَّ: [وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ](6) قال: ... أُنزلت في هذه الأُمَّة، والرِّجَال هم الأَئِمَّة من آل مُحمَّد صلى الله عليه واله ...»( 7). 2ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام ، عن بشر بن حبيب، قال: «أَنَّه سُئِلَ عن قول الله عَزَّ وَجَلَّ: [وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ](8) قال: سور بين الجنَّة والنَّار، قائم عليه مُحمَّد صلى الله عليه واله وَعَلِيّ والحسن والحسين وفاطمة وخديجة عليهم السلام فینادون: أَين محبُّونا، أَين شيعتنا...»(9). ودلالتهما واضحة. ومنهما تتَّضح القضيَّتين التَّاليتين: الأُوْلَى: / لا بُدَّ من مراجعة عدَّة مصادر تفسيريَّة لمَنْ يُريد اِستيضاح آية / / الفحص والتنقيب العلمي باب شاسع جِدّاً / إِنَّه يجب على مَنْ يُريد استيضاح بيانات أَهل البيت عليهم السلام المُفسِّرة لآية من آيات القرآن الكريم أَنْ لا يخدعه الفحص بمراجعة تفسير أَو تفسيرين، بل عليه التَّيقُّظ والتَّفطُّن إِلى موارد وجود هذه الآية بأَلفاظها أَو بما يُقارب أَلفاظها ومعانيها في بيانات الوحي الأُخرىٰ، وعليه أَيضاً أَنْ لا يُراجع مصدراً واحداً من مصادر التَّفسير، بل عِدَّة مصادر. وبالجملة: باب الفحص والتَّنقيب العلمي باب واسع وشاسع جِدّاً، ومن ثَمَّ لا ينخدع الباحث بدرجةٍ من الفحص والتنقيب، ولا بدرجةٍ من التَّفكير والتَّأمُّل، وإِذا ظَنَّ أَن ما توصَّل إِليه هو الذروة ورأس الهرم فليعلم أَنَّه اِرْتَطَمَ بغفلةٍ شَنيعةٍ؛ وجهالةٍ عمياءٍ، وضلالةٍ صَمَّاءٍ؛ فإِنَّ ما توصَّل إِليه بالضرورة الوحيانيَّة والعقليَّة لا بُدَّ أَنْ يكون متناهياً ومحدوداً، ومعاني وحقائق بيانات الوحي غير متناهية وغير محدودة أَبداً بالضرورة الوحيانيَّة والعقليَّة أَيضاً، ولا توجد نِسبة رياضيَّة بين المحدود وغير المحدود؛ فإِنَّه دائماً إِذا قيس المحدود إِلى غير المحدود كان لا شيء وصفراً على جهة الشِّمال، وإِلَّا لانقلبت ماهيَّة غير المحدود وصارت متناهية، وبطلان انقلاب الماهيَّة من الواضحات، بل هو خُلف الفرض. الثَّانية : / طريقة الوحي في إِيْصَال المعلومة / الطَّريقة التعليميَّة السَّاريَّة عليها بيانات الوحي في إِيْصَال المعلومة للطرف هي: التَّدرُّج في التَّعليم وعلىٰ مراحل. / فاطمة الزَّهراء عليها السلام منبع لنُبُوَّة أَبيها صلى الله عليه واله / / شمول بيان الحديث القدسي المُتقدِّم للزَّهراء عليها السلام / وممَّا تقدَّم يتَّضح: أَنَّ بيان الحديث القدسيّ المُتقدِّم شامل لفاطمة الزهراء (صلوات اللّٰـه عليها)، فتكون منبع لنُبُوَّة أَبيها (صلَّىٰ الله عليهما وعلىٰ آلهما)، فما ينزل من مقام سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله النُّوري ـ المشار إِليه في بيان الحديث القدسي: «لا يُؤَدِّي عنكَ» أَي: المرتبة النُّوريَّة لحقيقته صلى الله عليه واله وطبقة قلبه المبارك؛ أَي: طبقة البيت المعمور في السَّمآء الرَّابعة، وبيانه: «إِلَّا أَنْتَ»، أَي: طبقة حقيقته صلى الله عليه واله النَّازلة وبدنه الأَرضي الشَّريف، وبيانه: «أَو رَجُل منكَ» إِشارة إِلى أَمير المؤمنين وفاطمة وسائر أَهل البيت عليهم السلام ، فـ ـ تتلقَّاه (صلوات اللّٰـه عليها) وسائر أَهل البيت عليهم السلام بوجوداتهم الشَّريفة في هذه النَّشْأَة الأَرضيَّة، وبتوسُّط طبقات حقائقهم الُمتوسِّطة في السَّماء الرَّابعة. / حقيقة مصحف فاطمة عليها السلام / وهذا ما يوضِّح: بيانات الوحي الواردة في بيان حقيقة مصحف فاطمة عليها السلام ، جمعاً بين بيانات الوحي الدَّالَّة علىٰ أَنَّه (أَملاه سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله عليها؛ وخطَّه أَمير المؤمنين (صلوات اللّٰـه عليه) بيده الشَّريفة)، وبياناته الأُخرىٰ الدَّالَّة علىٰ أَنَّه (حصل ذلك بعد استشهاده صلى الله عليه واله)، ومعناه: ما تقدَّم؛ وأَنَّها كانت تتلقَّاه من قلب ونور أَبيها (صلوات الله عليهما وعلىٰ آلهما) في طبقة البيت المعمور من السَّماء الرَّابعة، وتذكره لأَمير المؤمنين فَيَخُطَّه بیمینه. فانظر: أَوَّلاً: بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام: «... وعندنا والله مصحف فاطمة، ما فيه آية من كتاب الله، وإِنَّه لإِملاء رسول الله صلى الله عليه واله ، وخَطَّه عَلِيٌّ عليه السلام بيده ...»(10). ثانياً: بيانه عليه السلام أَيضاً: «مصحف فاطمة عليها السلام ما فيه شيء من كتاب الله، وإِنَّما هو شيءٌ أُلقي عليها بعد موت أَبيها صلَّىٰ الله عليهما وعلىٰ أَولادهما»(11). ودلالتهما قد اِتَّضَحَت. وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) النساء: 117. (2) بحار الأَنوار، 21: 275/ح10. ارشاد المفيد: 33 ـ 34. (3) هذه الشارطة عِدلٌ للشارطة المُتقدِّمة في صدر هذه الفائدة، أَي: قبل كلمة (منها). (4) النور: 37. (5) فانظر: فضائل أَمير المؤمنين عليه السلام لابن عقدة الكوفي: 199/ح203.مناقب آل أَبي طالب، 2/سورة النور، آية 35: 146/ح359. (6) الأَعراف: 46. (7) بحار الأَنوار، 8: 335/ح3. بصائر الدرجات: 496/ح5. مختصر البصائر: 173/ح150 ـ 4. (8) الأَعراف: 46. (9) بحار الأَنوار، 24: 255/ح19. تأويل الآيات، 1: 176/ح12. مُختصر البصائر: 174ـ 175/ح152ـ6. (10) بصائر الدرجات، 1: 310/ح587 ـ5. (11) المصدر نفسه: 321/ح609 ـ 27